ليت لي عنق الجمل, حتى أزن الكلمة قبل النطق بها

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، والتابعين وتابعي تابعيهم بإحسان إلى يوم الدين ..
أما بعد أخوتي واخواتي في الله ..
امتلأ عصرنا بالآفات التي فتكت بجسد الأمة وأضعفته وجعلته أوهن من خيط العنكبوت ولعلّ من أعظم هذه الآفات هي آفة اللسان ..
فاللسان هو عضو مهم جداً من أعضاء الإنسان .. فتستطيع ان تكتشف شخصية الإنسان من لسانه من طريقة كلامه .. من منطقه وافكاره التي تتجسد بكلمات تخرج من قطعة اللحم تلك المعلقة بين شفتين .. وهبه الله لنا لنذكره به ولنتكلم بما لنا به علم ومعرفة وخير للبشر أجمعين ..
إلا إن الإنسان وكعادته منذ بدء الخليقة على وجه الأرض تطغى عليه نفسه فتغويه وفي واد طوله سبعين خريفاً ترميه ..
وسنذكر هنا بعض ما ورد عن اللسان ومخاطر الكلم السيء مما أتى في القرآن والسنة النبوية الشريفة مبينين حجم تلك المخاطر وتأثيرها علينا في الدنيا والآخرة .

نبدأ بما أتى في سورة ق لتبيين خطر عظيم نبهنا الله عز وجل وحذرنا من الوقوع به :
" ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد * إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد * ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد "
وكّل الله بنا ملكان يدونان ويسجلان بكل دقة ورقابة ما ننطق به لتكون اقوالنا حجة علينا أو لنا يوم القيامة فهناك ملك يسجل ما نطقنا به من خير وهناك ملك يسجل ما نطقنا به من شر وهما في غاية الدقة والرقابة والكلام صغيراً كان أو كبيراً يكتب في صحف تقدّم بين يدي رب العالمين يوم القيامة.
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه:قلت يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار ، قال لقد سألت عن عظيم ، وإنه ليسير على من يسره الله عليه تعبد الله لا تشرك به شيئا ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان ، وتحج البيت . ثم قال ألا أدلك على أبواب الخير ؟الصوم جنة ، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار ، وصلاة الرجل من جوف الليل ، ثم تلا تتجافى جنوبهم عن المضاجع حتى بلغ يعملون . ثم قال ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه ؟ قلت بلى يا رسول الله ، قال : رأس الأمر الإسلام ، وعموده الصلاة ، وذروة سنامه الجهاد . ثم قال ألا أخبرك بملاك ذلك كله ؟ قلت بلى يا رسول الله فأخذ بلسانه قال كف عليك هذا ، قلت يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟ فقال ثكلتك أمك ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح .

قال الحافظ ابن رجب : وخرجه الإمام أحمد والنسائي وابن ماجه ثم قال : هذا يدل على أن كف اللسان وضبطه وحبسه هو أصل الخير كله وأن من ملك لسانه فقد ملك أمره وأحكمه وضبطه

.
وأخرج البخاري والترمذي عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة
وأخرج الترمذي وحسنه وابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة مرفوعامن وقاه الله شر ما بين لحييه وشر ما بين رجليه دخل الجنة.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة أيضا رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يتبين ما فيها يزل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب
وخرجه الترمذي ولفظه إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأسا يهوي بها سبعين خريفا في النار
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت رواه البخاري ومسلم .
وفي مسند الإمام أحمد رضي الله عنه عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه
وخرج أيضا الترمذي والنسائي عن بلال بن الحارث مرفوعاإن أحدكم ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله بها رضوانه إلى يوم يلقاه ، وإن أحدكم ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم يلقاه .
هذا وبعد ما ذكرناه نرى خطورة اللسان وخطورة ما قد ينتج عنه هذا مع الإشارة بأنه من السبع الموبقات التي ترمي في جهنم اياماً وسنين طويلة ولا يجب ان ننسى بأن يوماً عند ربكم كألف سنة مما تعدون ...
ولعل أن أجمل ما قيل في الصمت وفي الكلم الطيب هو قول أمير المؤمنين علي رضي الله عنه حيث قال :" ليت لي عنق الجمل, حتى أزن الكلمة قبل النطق بها "
ارجو من الله عز وجل أن يوفقني وإياكم إلى ما يحبه ويرضاه وأن يجنبنا السبع الموبقات وأن يجنبنا الآفات التي ترمي بنا في جهنم .. ونسأل الله عز وجل أن يلهمنا حسن الكلام وسعة الصدر ومقدرة الصمت .. إنه ولي ذلك والقادر عليه .. وصلى الله على سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أجمعين ..